الدعاء عبادة في ذاته و له أثر مباشر على عقيدة وأفكار وسلوكيات الداعي فضلا عن أثره الديني أو استجابته. ولأن كل عبادة لها أيضا تأثيرات نفسية على العبد؛ فالصلاة وهي أهم وأعظم عبادة شخصية وجماعية من شانها أن يكون لها أيضا هذا التأثير النفسي والاجتماعي المباشر والكبير.
لدراسة الآثار النفسية لابد من النظر للصلاة على أنها لغة جسدية، واللغات الجسدية كما لها مدلول نفسي يستدل منه على الصفات الشخصية للإنسان؛ فهي أيضا لها تأثير على سلوكيات الشخص وأفكاره ومعتقداته وحالاته المزاجية أحيانا. الشق الأول معروف ومفهوم؛ فحركات اليد أثناء الحديث وشكل الجلسة و وضعية النوم وتعبيرات الوجه وحتى الصمت له مدلول نفسي، وربما يرقى فهم هذه الدلالات إلى علم مستقل بذاته.

مما لا شك فيه أن وجود إمام للصلاة يذكرنا بأننا أمة منضبطة، لا يجب أن تخلو من قائد، وأننا كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي، أمة نظامية تجتمع بمحبة على ذكر الله، ولا تتفرق إلا علية.
الشق الثاني وهو أثر الحركات الجسدية على الحالة النفسية والمزاجية للشخص يمكن فهمها من مشاهد كثيرة في الحياة اليومية؛ فمثلا لا يستطيع أحد إنكار أثر ممارسة الرياضة كالجري مثلا على الحالة النفسية، وربما نجد من يبحث عن السكينة في ممارسة اليوجا، ولقد ورد في السنة مثل هذه الدلالات؛ فمثلا، أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغضبان أن يغير هيئته الجسدية؛ فإن كان واقفا فليجلس فقال: "إذا غضب أحدكم و هو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب و إلا فليضجع".

لما لدلالة وضعية الجسد من أثر على الحالة النفسية؛ كذلك فالجلسات التي كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبر في مجملها عن الاتكاء بغرور، فمثل هذه الإتكاءات تنمي في الإنسان الكبر؛ إذا فهناك علاقة جدلية بين حركات الجسد والحالة النفسية للإنسان على مختلف المستويات. إذا هل للصلاة باعتبارها حركات جسدية أثر ودلالة نفسية على الفرد والمجتمع؟ الإجابة على هذا السؤال تأتي عندما نتأمل في لغة الجسد عند الصلاة.

في البداية، الصلاة هي علاقة بين العبد وربه، يجب أولا أن تترك الدنيا خلف ظهرك وأن تقبل على الله بقلبك، وهذا واضح في أول حركات الصلاة وهي تكبيرة الإحرام؛ فهي رفع اليد إلى أعلى من الداخل إلى الخارج وكأنك ترمي أفكارك الدنيوية خلف ظهرك، ثم تقبل على الله بحركة اليدين إلى الداخل وكأنك تقبل على الله، وكما هو معلوم فإن حركة الجسد من الداخل للخارج تعني الرفض والترك؛ فعندما تشير لشخص أن يبتعد تشير له بيدك في هذا الاتجاه والعكس بالعكس وحركة الجسد من الخارج للداخل وهي الشق الثاني من تكبيرة الإحرام تعبر عن الإقبال والقبول.

الحركة الثانية في الصلاة هي الركوع، ثم يتبعها السجود، وهي أيضا حركات قبول وإقبال، فهي انثناء الجسد للداخل ثم الوقوف للاستعداد لتمام انحناء الجسد على نفسه (هيئة السجود)؛ ليعبر عن تمام الإقبال على الله؛ ولهذا فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد.
البدايات الأولى للإسلام في أمريكا اللاتينية